الحرب في اليمن قد تعني السلام في ليبيا

كريم ميزران

مع الخراب الهائل الذي ألحقه تنظيم الدولة الإسلامية في بلاد الشام، باتت سوريا تعاني من حرب أهلية مدمرة، كما آلت الأزمة السياسية في ليبيا إلى نزاع مسلّح يزداد ترسخًا، ومؤخرًا دفع استيلاء الحوثيون على السلطة في اليمن إلى تأسيس تحالف عربي للتدخل العسكري. بقيادة المملكة العربية السعودية، انضمت تسع دول إلى العملية العسكرية “عاصفة الحزم” في محاولة لدحر تقدم الحوثيين الشيعة المدعومين من إيران. وقد التزمت مصر – التي دقت ناقوس الخطر منذ أمد طويل بشأن عدم الاستقرار في ليبيا المجاورة وقدمت الدعم لحكومة طبرق غير الإسلامية – بمشاركة قواتها الجوية والبحرية في العملية العسكرية في اليمن. وهو ما قد يكون له تداعيات على بعد أكثر من 2000 ميل في ليبيا: فمع تكريس مصر لموارد عسكرية رئيسية لمهمة اليمن، سيؤدي ذلك حتمًا إلى تحويل وجهة اهتمامها بعيدًا عن التطورات الأكثر إلحاحًا لدى جارتها ليبيا، الأمر الذي قد يفتح المجال أمام نجاح المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة لحل الأزمة الليبية.

على مدى أكثر من عام، شهدت العملية الانتقالية في ليبيا انتكاسات حادة، بسبب التنافس على السلطة بين الفصائل السياسية المتناحرة والمنتخبة، سواء مجلس النواب المعترف به دوليًا ويتخذ من طبرق مقرًا له، أو المجموعة المتبقية من المؤتمر الوطني العام في طرابلس، التي عادت إلى العمل. وهو في جوهره نزاع سياسي تجلّى في صورة صراع مسلّح بين عملية الكرامة التي شنها غير الإسلاميين ضد عملية الإسلاميين في قوات فجر ليبيا وألوية مصراتة. وخلال الشهور القليلة الماضية، أصبحت هذه الجماعات المسلحة المتنافسة أكثر اصطفافًاً مع المعسكر السياسي الأقرب لها، وازدادت جرأة المتشددون على مواصلة الحل العسكري. كما أدى تزايد الضربات الجوية والاشتباكات بين القوات البرية إلى توقف إنتاج النفط ونزوح آلاف المواطنين.

في هذا الإطار، انعقدت مفاوضات الأمم المتحدة للوساطة بين الأطراف الليبية الرئيسية، بهدف التوصل إلى توافق حول حكومة وحدة وطنية كوسيلة لإنقاذ البلاد من حافة الهاوية. وللأسف، كان تأثير الليبيون المعتدلون المشاركون في المفاوضات محدوداً على المتشددين السياسيين وحلفائهم المسلحين. وقد أدى التدخل من قِبَل الأطراف الإقليمية الفاعلة إلى ترسيخ التناحر بين الفصائل المتنافسة، فمصر والإمارات العربية المتحدة تدعمان حكومة طبرق فيما تدعم كل من تركيا وقطر حكومة طرابلس (وإن كان ذلك بدرجة أقل). وقد أدى تزايد التنافس الإقليمي على تقديم الدعم إلى تجريد أصحاب المصلحة من أي حافز للتفاوض، فضلا عن أن كل جانب يؤمن بقدرته على إحراز النصر على الجانب الآخر. وبطبيعة الحال، لم تترجم هذه التقديرات إلى واقع ملموس على الأرض، وطال أمد المعارك دون أن يستطيع أي معسكر تحقيق مكاسب جوهرية.

ظهرت رواية مثيرة للخلاف لوصف الأزمة، صدرت في البداية عن اللواء خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي، ثم جرى ترديدها من قِبَل عناصر معسكر طبرق. عندما أطلقت الشرارة الأولى لعملية الكرامة في العام الماضي، أعلن حفتر أن هدف العملية هو تطهير بنغازي وشرق ليبيا من الإسلاميين. وبالتالي، ودون أي تمييز بين الإسلاميين المعتدلين والجماعات الأكثر راديكالية، وقد أدى تعنّت حفتر في الجمع بين ديمغرافية غير متجانسة إلى اندماجها فيما بعد في عملية فجر ليبيا كردة فعل. ويستمر الانقسام، فيما يظل خطاب عملية الكرامة يدور حول أنها تحارب “الإرهابيين”، ذلك الوصف الذي تستخدمه العملية لوصف الإسلاميين جميعًا دونما تمييز. وعلى الرغم من تواجد تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا، واستهدافه كلا المعسكرين المسلحين والسياسيين المتنافسين، تم مواصلة الخلط في محاولة لإقناع حلفاء طبرق الدوليين والإقليميين بالحاجة الملحة للتدخل.

لقد ذهبت تلك النداءات أدراج الرياح، فالدول الغربية استمرت في تأكيد دعمها للمفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة. أما الفاعلون الإقليميون فقد واصلوا الحديث عن أهمية محادثات السلام؛ لكن على الأرض قاموا بتقديم المساعدة العسكرية وفقًا لمصالحهم الجيوسياسية، وقد أكدت مصر على وجه التحديد أن أمنها القومي يواجه تحديات كبيرة. مع ذلك، أوقفت هذه الدول تدخلها المسلح بالكامل. لقد أدى استيلاء الحوثيون على السلطة في اليمن إلى تأسيس تحالف عربي/سني، بما يشير إلى تزايد المخاوف من التهديد الطائفي وتنامي القلق في المنطقة من التأثير الإيراني أكثر من الدولة الإسلامية.

إن العمليات في اليمن تنذر بتوسع الصراع الطائفي، لكنها قد توفر بعض الأمل فيما يتعلّق بآفاق عودة الاستقرار إلى ليبيا. ويعني تخصيص موارد كبيرة لعملية “عاصفة الحزم” في اليمن حتماً توافر موارد أقل لدى الدول المعنية لتلبية التزاماتها مع وكلائها وحلفاءها في ليبيا. وفيما تدرس القاهرة إمكانية توفير قوات برية للتدخل في اليمن لتأمين مصالح مانحيها في الخليج، فعلى الأرجح سيضعف ذلك من قدرتها على التوجه نحو طبرق في ذات الوقت. ومن المحتمل أن يساهم الانسحاب الجزئي في تغيير التصور حول أن الأطراف المتنافسة في ليبيا تتلقى مساعدات عسكرية خارجية لإحراز النصر، وهو ما قد يؤدي إلى تغيير الحسابات وترجيح كفة الالتزام بالتفاوض وبحتمية الحل السياسي للأزمة.

Image: A fighter from Misrata stands at a checkpoint near Sirte March 16, 2015. (Reuters)