مشروع التعديلات الدستورية؛ رؤية نقدية

مشروع التعديلات الدستورية؛ رؤية نقدية

 

منذ إنشائه في العام 1980، ظل مجلس الشورى المصري، الغرفة البرلمانية الأعلى، محل جدل كبيرعلى امتداد ثلاثة عقود حتى قيام ثورة يناير 2011. مصدر الخلاف و الجدل أن مجلس الشورى، على الرغم من إنشائه كغرفة برلمانية ثانية، ليست له أي صلاحيات تشريعية حقيقية، بل كان يناقش فقط بعض مشروعات القوانين التي يقرر رئيس الجمهورية إحالتها إليه. كما أنه، إذا ناقش المجلس قانونا، لم يكن لموافقة أو رفض المجلس أي قيمة، فالأهم فقط هو مجلس الشعب بوصفه الغرفة التشريعية صاحبة الاختصاص الفعلي. لذلك، و بعد قيام ثورة يناير، و بسبب الحديث المتواصل إلى الآن عن كتابة دستور جديد، هناك أصوات كثيرة تطالب بإلغاء مجلس الشورى و الأخذ بنظام الغرفة البرلمانية الواحدة. هذا الرأي الأخير هو ما قررته لجنة الخبراء العشرة حيث ألغت مجلس الشورى و اكتفي بأن يتكون البرلمان المصري من غرفة واحدة هي مجلس الشعب.
ثمة حجج عديدة تساق لتبرير إلغاء مجلس الشورى، أهمها أن المجلس بلا صلاحيات حقيقية و ليس له دور تشريعي، بالإضافة إلى أن مصر دولة موحدة، يكفيها غرفة واحدة للبرلمان، بعكس الدول الفيدرالية كالولايات المتحدة وألمانيا حيث يتكون البرلمان من غرفتين. لا تكفي هذه الحجج لإلغاء مجلس الشورى في مصر و الاكتفاء بمجلس الشعب. فمن ناحية، عندما يقال أن مجلس الشورى ليست له أهمية فيما مضى، فذلك لأن المجلس كان بلا صلاحيات، و من ثم فالحل في ذلك هو إعطاء مجلس الشورى صلاحيات تشريعية حقيقية على غرار مجلس الشعب. كما أن مسألة أن مصر دولة موحدة و الأفضل لها برلمان ذي غرفة واحدة، فذلك معيار غير مسلم به أصلا، ففرنسا، على سبيل المثال، دولة موحدة و مع ذلك فالبرلمان الفرنسي يتكون من غرفتين هما مجلس الشيوخ و الجمعية الوطنية الفرنسية.
في تقديري أن السؤال الأهم في هذا السياق هو: هل من فائدة في تكوين البرلمان المصري من غرفتين و ليس غرفة واحدة؟ أعتقد أن هناك ضرورة للأخذ بنظام الغرفتين في الدستور المصري الجديد و من ثم بقاء مجلس الشورى. ذلك أن السنوات القادمة تعد من أهم الفترات من الناحية التشريعية و السياسية في تاريخ مصر الحديث، فالكثير من التشريعات في مصر يحتاج إلى تعديلات و تغييرات جوهرية، كما أن تغيير الدستور سيتطلب إجراء الكثير من التعديلات القانونية لتتلائم مع الدستور الجديد. يحتاج ما تقدم إلى وجود برلمان ذي غرفتين يتولى المهمة التشريعية بعناية و هدوء حتى تتم عملية التحديث التشريعي بنجاح يخفف من حدة الأزمات القانونية المعقدة في مصر. فوجود مجلس الشورى بصلاحيات كاملة، إلى جانب مجلس الشعب، سوف يضمن مناقشات أكثر تنوعا و عملية تشريعية أكثر فاعلية و نجاحا. أخيرا، يعد وجود مجلس الشورى ضمانا لإحداث قدر من التنوع داخل البرلمان المصري و ذلك مثل التنوع العمري، حيث إن الحد الأدنى لسن المرشح لمجلس الشعب هو 25 عاما، حين أن ذلك السن فيما يتعلق بمجلس الشورى هو 35 عاما. أيضا، ينتخب مجلس الشورى عادة لمدة ست سنوات، بعكس مجلس الشعب و هو ما يعطي قدرا من الاستقرار لأعضاء مجلس الشورى. و أخيرا فدائما ما يتواجد بمجلس الشورى، بوصفه المجلس الأعلى، الشخصيات صاحبة الخبرة الكبيرة سواء فنيا أو سياسيا أو غير ذلك.
فيما يتعلق بالسلطة القضائية، فقد أجرت لجنة الخبراء العشرة عددا من التعديلات المهمة نركز منها هنا على أمرين. فقد قررت اللجنة في المادة رقم 162 من المشروع أن النائب العام: “يعين بقرار من رئيس الجمهورية بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى”، حين أن دستور العام 2012 كان يقرر: “يعين بقرار من رئيس الجمهورية بناء على اختيار مجلس القضاء الأعلى”. معنى ذلك، أن مشروع لجنة الخبراء أعطى لرئيس الجمهورية، كما كان الوضع بدستور 1971، الحق في “اختيار” و تعيين النائب العام، في حين أن دستور 2012 كان قد مضى خطوة كبيرة على الطريق الصحيح إذ قرر أن من “يختار” النائب العام هو مجلس القضاء الأعلى و تكون سلطة رئيس الجمهورية فقط لمجرد إصدار قرار التعيين. لا أدري سببا لهذا التغيير الذي أدخلته لجنة الخبراء على مسألة تعيين النائب العام بهذا الشكل. فقد كان، لفترة طويلة، مطلب تعيين النائب العام عن طريق مجلس القضاء الأعلى ، لا رئيس الجمهورية، من أهم المطالب لتحقيق استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية، لا سيما مع أهمية منصب النائب العام. كما أنه من الجدير بالذكر أن أهمية منصب النائب العام لا تنبع فقط من أن عمل النيابة العامة له تأثيره البالغ على حماية الأمن الجنائي و الاجتماعي للمجتمع المصري، و إنما لأن النيابة العامة المصرية هي جزء من القضاء، و ليست مؤسسة تابعة للسلطة التنفيذية كما في الولايات المتحدة أو فرنسا، لذلك كان من الضروري أن يظل منصب النائب العام بعيدا عن اختيار رئيس الجمهورية.
أما المسألة الثانية فهي المتعلقة بعدد قضاة المحكمة الدستورية العليا. فقد نصت المادة رقم 176 من دستور 2012 على: “تشكل المحكمة الدستورية العليا من رئيس و عشرة أعضاء”، إلا أن المادة رقم 165 من المشروع ألغت هذا النص و قررت: “تؤلف المحكمة من رئيس و عدد كاف من نواب الرئيس”. لا شك أن ما جاء بدستور 2012 هو الأفضل، حيث يفضل أن يتم تحديد عدد أعضاء المحكمة الدستورية العليا برقم معين. فمن ناحية، فإن ترك الأمر لقرار قضاة المحكمة أنفسهم قد يفتح الباب لصراعات و توازنات داخل المحكمة حول من ينضم للمحكمة من عدمه، و هو ما سيقل بشدة إن كان عدد قضاة المحكمة معلوم سلفا. كما أنه، من ناحية أخرى، تطبيقا للشفافية و مبدأ الفصل بين السلطات، لا يجب ترك تحديد عدد أعضاء المحكمة الدستورية لقضاة المحكمة نفسها يحددوه، فذلك من عمل السلطة التشريعية المسئولة عن وضع نظام القضاء و التقاضي و تحديد عدد القضاة المتعين تواجدهم بمحكمة معينة.