لماذا سقط سياسياً الإخوان المسلمون؟

لماذا سقط سياسياً الإخوان المسلمون؟

 

الحادي و الثلاثين من شهر مارس للعام 2012، و ليس الثالث من يوليو 2013، هو التاريخ الحقيقي للسقوط (السياسي) لجماعة الإخوان المسلمين. ففي هذا التاريخ (31/3/2012) اجتمع مجلس الشورى العام لجماعة الإخوان المسلمين ليقرر موقف الجماعة من الترشح للانتخابات الرئاسية المصرية المزمع عقدها في مايو من العام 2012، و قد استقر الرأي في نهاية المطاف على خوض الانتخابات الرئاسية. صدر هذا الرأي بأغلبية ضعيفة للغاية قوامها 56 عضوا فقط من أعضاء مجلس الشورى العام البالغ عددهم، في ذلك الاجتماع، 108 عضوا، ما يعني أن الرافضين كانوا 52 عضوا. لا مبالغة في القول أن هذا القرار من جماعة الإخوان المسلمين هو أكثر القرارات أهمية و تأثيرا اتخذته جماعة الإخوان المسلمين في العقود الأربعة الأخيرة منذ عودتهم للحياة السياسية في نهاية سبعينيات القرن الفائت. و اللافت في هذا القرار، على ما له من تأثير بالغ الأهمية، أنه صدر بهذه الأغلبية الضعيفة، فالأرقام تشير إلى شبه انقسام في الرأي داخل مجلس الشورى العام، المعروف عن أعضاءه أنهم من المحافظين و الساعين إلى التحرك ككتلة واحدة متماسكة.

أهمية هذا القرار و أنه ما أوصل الإخوان المسلمين لهذا السقوط المدوي و الدخول في صراع جديد مع “الدولة المصرية” تظهر في تتبع العديد من الأحداث و التطورات المهمة. فقد أعلنت جماعة الإخوان المسلمين إبان ثورة العام 2011 (في 10/2/2012) أنها لن ترشح أحد أعضائها لمنصب رئيس الجمهورية، و كان ذلك من باب “طمأنة” القوى السياسية أن الأمر مشاركة لا استحواذ و مغالبة. لعل أحد نتائج هذا “الوعد” أن الناخبين وثقوا في جماعة الإخوان أثناء الانتخابات البرلمانية و منحوها أصواتهم حتى تحصلوا على أغلبية زادت على 45 بالمائة من مقاعد مجلس الشعب. لكنه بمجيء الانتخابات الرئاسية، و لحسابات أخرى تغلبت في تلك اللحظة لم يغب عنها سوء التقدير أو الطمع في السلطة، خلف الإخوان وعدهم و قرروا الترشح للرئاسة، و هو ما يعني، بوضوح شديد، تآكل قدر غير قليل من “شرعية” مرشحهم للرئاسة، تلك الشرعية هي ما كانت، و لازالت، اللافتة السياسية التي ترفعها جماعة الإخوان، حين أن جماعة الإخوان نفسها هي من أسهمت في إضعاف هذه الشرعية بارتكاب “خطيئة الكذب السياسي”.

عند صدور قرار مجلس الشورى العام للجماعة بالترشح للرئاسة لم يتم تحديد اسم المرشح بشكل رسمي، و هو ما يشير بجلاء أن المسألة كانت في حقيقتها أن الأهم أن يكون الإخوان المسلمين “داخل القصر” بغض النظر عن شخص من يمثلهم. هذه المسألة تدلل، من زاوية ما، على الثقة الكاملة من جماعة الإخوان في أعضائها، و أنهم ــ جميعا ــ سيكونون “طوع أمرها” بقطع النظر عن مناصبهم. كان ذلك هو ما أدى إلى أن تقدم جماعة الإخوان على القيام بخطوة تتسم بالكثير من الغرابة و الشذوذ في آن معا، حيث تقدمت الجماعة بمرشح أساسي (نائب المرشد العام للجماعة خيرت الشاطر) و مرشح آخر احتياطي (تقرر ترشيحه في السابع من إبريل و قبل غلق باب الترشح بيوم واحد) هو الرئيس “السابق” محمد مرسي رئيس حزب الحرية و العدالة آنذاك. موضع الغرابة و الشذوذ هنا أن الترشح لمنصب رئيس الجمهورية يعد من المسائل شديدة الأهمية و التأثير بحيث لا يصح أو يقبل أن يكون رئيس الجمهورية المصرية من كان مرشحا احتياطيا أو مرشحا “من الدرجة الثانية” في أعين الجماعة و الحزب السياسي الذي رشحه و هو ــ من أسف ــ ما حدث.

متابعة الانتخابات الرئاسية المصرية على امتداد شهرين (مايو/يونيو 2012) كشفت عن الأثر السلبي الكبير، لدى عموم المصريين، الذي تركه ترشح الدكتور محمد مرسي كمرشح احتياطي، فقد انتقص ذلك من “هيبة المنصب الرئاسي و مقامه” في أعين الناس و هو ما كان، في تقديري، تآكلا جديدا في شرعية مرشح الإخوان المسلمين للرئاسة حتى قبل أن يتولى الحكم. يشار أخيرا، في هذا السياق، إلى الخطأ الكبير الذي ارتكبته جماعة الإخوان بترشيح شخص الدكتور محمد مرسي لمنصب الرئاسة، ذلك أن الرجل كان يفتقد لأبسط المؤهلات لقيادة الدولة المصرية، فقد انعدمت لديه أي قدرة على حشد الناس أو تجميعهم على هدف واحد، و ذلك هو ما كان يحتاج إليه المجتمع المصري في هذه الفترة من تحوله الثوري، لاسيما بعد ما شهدته البلاد من انقسام حاد و بوادر استقطاب أفسد المرحلة الانتقالية بكاملها إلى اللحظة.

لم تدرك جماعة الإخوان، حال اتخاذها قرار الترشح للرئاسة، أن الوقت لم يحن بعد لكي تتصدر موقع المسئولية في مصر من خلال تربعها على مقعد رئيس الجمهورية المصرية. فالمتتبع لتاريخ جماعة الإخوان يرى قدرة كبيرة على حشد المؤيدين و تنظيمهم في الانتخابات النيابية، و أيضا انتخابات النقابات المهنية، حيث كانت الجماعة تحقق انتصارات انتخابية ملحوظة في معظم الانتخابات التي تخوضها. غير أن هذا الواقع يشير أيضا، من زاوية مختلفة، إلى انحسار “نجاح” الجماعة في هذا الإطار الفئوي (انتخابات النقابات المهنية) أو الإطار الجغرافي (الانتخابات البرلمانية) فحسب، لأن الأمر في هذه الانتخابات الأخيرة يقوم على ما يمكن تسميته “بالسياسة الخدمية”؛ أي الممارسة السياسية القائمة بالأساس على تقديم خدمات للجماهير (أبناء المهنة أو الدائرة الانتخابية). ذلك هو ما تجيد جماعة الإخوان التعامل معه، و من ثم فلم تستطع جماعة الإخوان ــ عبرتاريخها الطويل و لأسباب مختلفة ــ أن تطور قدرتها على ممارسة السياسة بشكل استراتيجي متعلق بإدارة الدول و تحقيق نهضة شاملة فيها، لاسيما فيما يتعلق بمصر التي تئن تحت وطأة مشاكل معقدة و كثيرة منذ عقود طويلة خلت.

من جهة أخرى، لم تدرك جماعة الإخوان أنه ليس من السهل على المجتمع المصري في عمومه أن يتقبل، هكذا فجأة و بعد عقود من الإقصاء و الملاحقة، وجود الإخوان المسلمين على رأس السلطة في مصر. ذلك أن المجتمع المصري يتميز بتنوعاته الدينية و الفكرية و الثقافية. كل ذلك كان يقتضي أن يتريث الإخوان المسلمون و أن يكون صعودهم إلى رأس السلطة المصرية مسألة تدريجية و الأهم أن يكون الصعود مصحوبا بنجاحات حقيقية على مستوى إدارة الدولة على المستوى المحلي (المجالس المحلية أو المحافظين) أو من خلال المناصب الوزارية جنبا إلى جنب مع التواجد في البرلمان بالشكل الفاعل و البناء (على مستوى الرقابة و التشريع) و ذلك جميعه قبل التطلع إلى مقعد الرئاسة.

آخر ما يشار إليه في هذا المقام، أن منصب رئيس جمهورية مصر له من المهابة و المقام العالي في أعين المصريين الكثير، و من ثم كان تولي الدكتور محمد مرسي لهذا المنصب، على ما لديه من إمكانيات متواضعة، فضلا عن أنه ينتمي إلى الإخوان المسلمين الذين جاءوا فجأة إلى الحكم دون تدرج أو خبرة من جانبهم ــ كل ذلك لم يقنع أو يرضي قطاعا واسعا من الشعب المصري على كيفية وصول محمد مرسي لمقعد الرئاسة، أو على شخص محمد مرسي ذاته، و أخيرا على مجرد وصول ممثل لجماعة الإخوان لمقعد الرئاسة من الأساس. لا أرى كل ذلك إلا أنه انتقاص و تآكل من شرعية مرشح الإخوان المسلمين للرئاسة حتى قبل وصوله للحكم، و هي الشرعية التي تأكد ضياعها، في الثالث من يوليو 2013، و ضاعت معها التجربة الديمقراطية الوليدة للثورة المصرية.

Image: Photo: Jonathan Rashad