فريديرك هوف
من المؤلم أن الأمر شديد الوضوح وسط حالة التعقيد التي يتسم بها الصراع المروع في سوريا هو الغياب العملي لإدارة أوباما في حماية المدنيين السوريين. منذ نحو عامين أبلغ مسئول كبير في البيت الأبيض زائرين من الكونجرس أنه ليس هناك أي أطراف جذابة في سوريا: ومن ثم فمن المحبذ أن تترك تلك النار التي تأكل الدولة لتخمد من تلقاء نفسها. وعلى هذا فإن التضحية بالمدنيين – وغالبيتهم من النساء والأطفال –على نطاق واسع في هذا الجحيم الناتج عن هذا الصراع لم تؤثر في هذا المسئول الكبير لا من الناحية الأخلاقية ولا من زاوية السياسات ذات الصلة. إلا أنه الآن – في الوقت الذي تتزايد فيه التقارير بشأن تذبذب النظام – تبرز العواقب العملية والسياسية لعدم القيام بأي شيء تقريباً لحماية المدنيين السوريون من حملة القتل الجماعي التي يقودها نظام الأسد.
ولوضع الأمور في نصابها الصحيح، فإن رغبة إدارة أوباما في تحمُل الخطاب الأخلاقي فيما يتعلق بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها نظام الأسد قد قادها إلى خلاصة تحليلية مذهلة: أن الشخص الذي سمح بارتكاب جرائم القتل على نطاق واسع بصورة يومية – بشار الأسد – يجب عدم المسارعة في إزاحته من السلطة، كي لا يتمكن المتمردون الإسلاميون من الاستيلاء على دمشق، ومن ثم يرتكبوا مذابح ضد المجموعات التي انخرطت رغماً عنها في الجرائم التي ارتكبها النظام. إن البراميل المتفجرة، وحصار التجويع، والهجمات بالأسلحة الكيماوية، والأعمال الوحشية انتشرت على نطاق واسع وبكثافة عالية، دون معارضة من جانب الغرب الأجوف، والآن تبرز احتمالية وقوع المزيد من الجرائم الوحشية، وربما إبادة جماعية تتجاوز العرب المسلمين السنة.
لقد كانت استراتيجية الأسد منذ البداية هي أن تربط عشيرته من العلويين وغيرهم بين الدم والبقاء السياسي لعشيرته الفاسدة. ومن الجوانب الأساسية لهذه الاستراتيجية القتل الجماعي الموجه بصورة كبيرة (وإن لم يكن بصورة حصرية) ضد الأغلبية السنية في سوريا. وجانب آخر تمثل في تسهيل صعود تنظيم الدولة الإسلامية وتأمين مساعدتها له في تهميش البدائل غير الجهادية ذات التوجه القومي. إن ردود أفعال إدارة أوباما التي كانت مفعمة بلغة خطابية وخالية من أي أفعال كانت غير مقصودة، ولكنها كانت عاملاً مساعداً في تمكين استراتيجية الأسد للبقاء، وهي استجابة عرضية ولكنها كانت فعالة في ضمان سياسة التأمين السياسي لعشيرته. أما الآن فإن احتمالات القتل على نطاق واسع تشمل مجموعات سورية تظهر باعتبارها عواقب غير مقصودة أخرى لعملية استبدال الاتصالات الاستراتيجية بالاستراتيجية نفسها.
لو أن الإدارة قد وضعت في اعتبارها حماية المدنيين عملياً باعتبارها أمراً هاماً منذ البدايةـ فهل كان من الممكن أن تكون النتائج بعيدة عن التورط في حرب أهلية لطرف أخر، وارتكاب أعمال تتسم بالغباء؟ إن الرئيس أوباما مستمر في الإصرار أن الخيار الوحيد لترك الشعب بدون حماية على الاطلاق – وهو الخيار الذي يصر على أن الناقدين له يفضلونه – ربما كان عملية غزو سوريا واحتلالها. لقد جعل الرئيس الأمر – بصورة مضللة – في شكل إما أن نقوم بالأمر كله أو لا نفعل شيئاً على الإطلاق، ومن ثم تبرير خياره بعدم فعل أي شيء. لقد فعل ذلك مؤخراً في 15 مايو في مقابلة مع مذيعة قناة العربية نادية بلبيسي.
وأياً ما كان استخدام الفزاعة يوفر عذراً وقتياً لعدم التحرك أو حجة لمؤرخي المستقبل، فإنه لا يجتاز اختبار قول الحقيقة. لم يناصر أحد غزو سوريا واحتلالها، بل إن أكثر المدافعين المخلصين عن حماية الأفراد من القتل الجماعي لم يوصوا بمثل تلك الخطوة. إن هناك طرقاً ووسائل أكثر تواضعاً متاحة لإدارة راغبة في تجاوز اللغة الخطابية، والقيام بأفعال على الأرض، والأمثلة كثيرة.
هل حماية المدنيين السوريين من عمليات القتل الجماعي التي يرتكبها نظام الأسد على رأس أو قريبة من رأس قائمة نقاط الحديث التي يستخدمها كبار المسئولين في الإدارة في اجتماعاتهم مع نظرائهم الإيرانيين والروس؟ هل هناك استراتيجية دبلوماسية تهدف بالتحديد إلى اقناع طهران وموسكو بالضغط على عميلهم للتوقف عن أعمال القتل الجماعي؟ هل حصل الرئيس أوباما من مستشاريه العسكريين على كل خيار ممكن بعيداً عن خيار الغزو والاحتلال أو حتى خيار القصف الجوي لوقف (أو على الأقل عرقلة) البراميل المتفجرة، وكذلك تحييد خيارات القتل الجماعي المحتملة (وفق الضرورة) مثل تلك الناتجة عن استخدام صواريخ سكود أو استخدام المدفعية الموجهة نحو الأحياء السكنية؟ هل هناك جهد دبلوماسي جاري بهدف إلى جمع الشركاء الإقليميين لخلق ملاجئ آمنة داخل سوريا؟ هل هناك تحرك على قدم وساق لتجاوز برنامج التدريب والتسليح الهزيل بتشكيل قوة سورية قومية لتحقيق الاستقرار قادرة على حماية المدنيين السوريين؟
هل أياً من هذه الخيارات معمول بها؟ أم أن الرئيس يميل – دون مبالاة – إلى التصديق بأن هناك منحدر لا يمكن التحكم فيه ينتهي إلى الغزو والاحتلال – الأمر الذي يتجاوز في نهاية المطاف صلاحياته كقائد عام للقوات المسلحة؟ وما هي كيفية انخراط الرئيس مع عملية توضيح طرق ووسائل تخفيف المأساة الإنسانية الأكبر في القرن الحادي والعشرين؟ هل الطائرات الهليكوبتر التابعة للنظام والتي تقذف البراميل المتفجرة محصنة من أي إجراءات مضادة؟
إن الإلقاء باللائمة على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعدم تحرك الولايات المتحدة غير كاف. نعم لقد كانت السفيرة سامنثا باور محقة عندما صرحت في الكويت بأن إيران وروسيا شريكتان في الفظائع التي يرتكبها النظام السوري. وبالفعل لم يتصور واضعوا مبدأ “مسئولية الحماية” أن يكون طرفاً ييسر أعمال القتل الجماعي عضواً دائماً في مجلس الأمن، ومن ثم قادراً على منع أي تدخل من جانب المجتمع الدولي، والذي يبدو شرعيا طبقا للمدافعين عن هذا المبدأ. ولكن حتى في ظل عودة نظام الأسد بتحد وازدراء إلى استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين، فإن الإدارة التي وضعت الخط الأحمر وكان لها الفضل في التخلص من الأسلحة الكيمياوية التي يمتلكها النظام تبدو غير قادرة على التحرك بصورة عملية.
إن هذا الجمود يمكن أن يستمر حتى 20 يناير 2017. بالنسبة لبعض هؤلاء الذين أيدوا باراك أوباما، بل وشغلوا مناصباً في إدارته، فإن هذا الأمر هو مصدر القلق والإحباط والغضب والندم المتواصل. صحيح أنه ليس هناك إدارة تضم سامنثا باور يمكن أن تكون عاجزة بصورة ميئوس منها في قضايا حماية المدنيين، إلا أن الفشل الأخلاقي والعملي للولايات المتحدة إلى الآن للمحاولة بأقصى طاقتها حماية المدنيين من بطش نظام الأسد وجرائمه. يقنع هذا الفشل جميع السوريين – بالطبع فيما عدا تلك العائلة التي حوّل جشعها سوريا إلى مقبرة – بأنهم بمفردهم. وما لم يتوصل الوطنيون السوريون إلى طرق للتغلب على انقساماتهم والتوحد ضد كل من إيران وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام – مع تعهدهم بحماية المدينين – فسيخسرون بلدهم إلى الأبد. وإذا كان الإيرانيون والروس والأتراك ودول الخليج يرون الخسائر في صفوف المدنيين باعتبارها مجرد تكلفة حتمية في سياق التعامل مع الموقف، فعلى السوريين أن ينتفضوا ضدهم جميعاً.
إنه أمر مهين لمسئولي الإدارة الإشارة لأن يكون الرجل الذي قال الرئيس أوباما في 18 أغسطس 2011 أن عليه أن يرحل، بأنه ربما يجب ألا يرحل سريعاً. إنها بالفعل مهانة عن جدارة. إن الفشل في حماية المدنيين – بل وربما الفشل في مجرد المحاولة – قد ساهم في تأجيج ناراً استهلكت سوريا وحرقت كل جيرانها. بل وربما تكون قد مهدت الطريق نحو فظائع جديدة. إن إعطاء الأولوية للحماية العملية للمدنيين السوريين في مقابل ترديد الخطابات قد ينقذ الأرواح، ويضع الأساس لحل الصراع السياسي، ويمنع عمليات القتل الجماعي الجارية من الوصول إلى مرحلة الإبادة الجماعية. إلا أن هذا الأمر يحتاج أكثر من مجرد كلمات، فهو يتطلب أن يغير الرئيس مساره. على الرغم من الوضع السيء الذي تعيشه سوريا وجيرانها اليوم، فإن الأمور قد تسوء فيما وراء أي تقديرات خلال عشرين شهراً من الآن.
فردريك هوف: باحث أول في مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط التابع للمجلس الأطلنطي.