إعداد: حنين غدار
في مطلع الشهر الحالي، قام قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني بزيارة مفاجئة الى سوريا قرب الحدود المتاخمة لمدينة اللاذقية، حيث تعهد بأن التطورات في سوريا خلال الأيام القادمة سوف تفاجىء العالم. وحتى الآن لم يشهد العالم أية مفاجآت.على العكس، يبدو أن المعارضة قد حققت انتصارات واحتلت أراضٍ أكثر في كل يوم.
ويواجه النظام الإيراني الآن عددا من الأزمات، فإضافة إلى تحديات اللحظات الأخيرة قبل توقيع الإتفاق النووي مع مجموعة دول الخمس +١ قبل نهاية شهر حزيران/يونيو وأزمتها الاقتصادية، على إيران أن تتنافس مع جبهة عربية موحّدة في اليمن وسوريا. ونظرًا لعدم تمكنها من إرسال وحدات أخرى إلى سوريا بسبب القيود المالية، فلقد اختارت إيران أن تضحي بموارد أكثر من حزب الله.
تتركز أولوية إيران الآن على الحد من خسائرها في سوريا وعلى حماية الممر الذي يصل منطقة الساحل بسلسلة الجبال المعارِضة للبنان؛ أي إلى حزب الله. ومن أجل تنفيذ ذلك، سحب حرس الثورة الإيراني وحداته العسكرية وقوات الشيعة الحليفة من شمال سوريا ونشرها على طول الساحل العلوي، ودمشق، والجنوب الغربي وذلك لمساندة قوات حزب الله في القلمون. إن السيطرة على هذه المنطقة ستؤمن الممر الحيوي الاستراتيجي الذي تحتاجه إيران لحماية مصالحها في سوريا، وستذهب أية وحدات أخرى لمواجهة الثوار، أو حتى داعش.
إن اتصال القلمون بدمشق، وحمص، والمطوّق العلوي على طول الساحل يجعله غنيمة استراتيجية، كما سيمنح حزب الله مدخلاً آمنا إلى مرتفعات الجولان، مما يسمح للمجموعة بتطويق إسرائيل، كما سيسمح لإيران باستخدامه كتأثير جيوسياسي. ومع ذلك تواجه الخطة ب الإيرانية تحديات مكاسب المعارضة الحالية في جنوب سوريا مما صعّد خسائر حزب الله في القلمون.
وبعد أسبوع من تعهد سليماني، جاءت المفاجأة من الطرف المقابل حين احتلت الجبهة الجنوبية لجيش سوريا الحر قاعدة اللواء ٥٢ في حراك بمحافظة درعا، بعد ساعات من إعلان الهجوم عليها. ولكونها ثاني أكبر قاعدة في جنوب سوريا، فإنها تحتل مركزاً استراتيجيا مهماً بين محافظتي درعا والسويداء. إن احتلال تلك القاعدة قد كسر أول حلقة دفاع للنظام حول دمشق. وسجل الثوار السوريون أيضاً انتصارات في مناطق أخرى من سوريا، مما جعل تعهدات سليماني تبدو وكأنها خطابة فارغة.
في حين أن انتصارات المعارضة الحديثة تلك لن تجعلها تكسب الحرب ضد نظام الأسد، إلا أنها تفرض واقعاً جديداً للمناقشة. ومن أجل حماية هذا الممر، سيتوجب على إيران أن تفرض نوعاً من المنطقة العازلة، وهذا لن يتم تحقيقه بسهولة.
عندما استرجعت جبهة النصرة، وهي مجموعة ثوار القلمون التي تقاتل حزب الله، أدلب وجسر الشغور في وقت سابق من هذا العام، عرّضت الساحل العلوي للخسائر. أما دمشق فهي موضوع آخر. فمن يستولي على دمشق ستكون له الهيمنة على سوريا. تقترب اليوم قوات الجبهة الجنوبية من المدينة، مصممة أن تذهب أبعد من هذا لتستحل مدينتي إزرع ودرعا، وهما منطقتان استراتيجيتان تحت سيطرة النظام. ستكون معركة سهلة إلا أنها لن تكون كذلك بالنسبة لإيران والميليشيات.
في حين يخسر حزب الله مقاتلين في القلمون يومياً، فإنه يكافح على نحوٍ متزايد لتعويضهم بآخرين. وبرغم التصريحات الحديثة لأعضاء الحزب التي يؤكدون فيها لمسانديهم انتصاراتهم في القلمون، إلا أن لا شيء مؤكد حتى الآن. فقد صرحت مصادر من المعارضة في القلمون للإعلام اللبناني بأن حزب الله، برغم انتصاراته بين الحين والآخر، فهو لا يستطيع الحفاظ على سلطته أمام قوات جبهة النصرة. وإن لم تضمن إيران النجاح في القلمون، فتلك الخسارة سوف تهدد وصولها إلى الجولان وإلى الممر الذي يصلها بالساحل. وإذ أدركت جبهة النصرة وفصائل أخرى تلك الرهانات، فقد ضاعفت جهودها في هذه المعركة، مما صعّب الأمور على إيران وحلفاءها.
وفي الوقت نفسه، فإن حزب الله ينزف، في لبنان وسوريا. فالمجتمع الشيعي اللبناني ليس ممتناً بنتائج حزب الله في سوريا. لقد قدم عدداً كبيراً من “الشهداء” دون أي انتصار. إن الأسد يفقد قوته، والشيعة منعزلون أكثر من أي وقت مضى، وتشييع الجنازات أصبح حدثاً يومياً. وكلما استمر هذا التوجه كلما قل احتمال أن ترسل العائلات الشيعية اللبنانية شبابها للقتال في سوريا، مما يُجبر إيران أن تعتمد بشكل أكبر على الشيعة الأفغانيين والباكستانيين غير المدربين.
تؤكد كل الدلائل أنه حتى لو حافظت إيران على هذا الممر، فإنها ستبقى عرضة لفصائل المعارضة والثوار الإسلاميين من جميع الجهات. ومع ذلك فقد قررت إيران منذ زمن طويل أن الحل العسكري في سوريا هو وحده يحفظ مصالحها. ونظرًا لكمية الدم المهدر والمال، ورأس المال السياسي الذي بذلته حتى الآن، فلن تغير إيران حساباتها بسهولة. وفي أحسن الأحوال، يمكنها أن تحد من مجالها وأن تؤمن الممر، إلا أنها لن تتخلى عن الموضوع.
في حين يصر الغرب على أن الحل السياسي هو فقط يمكنه أن يداوي العلل في سوريا، إلا أن إيران ظلت مع الحل العسكري. وقد توقِع الولايات المتحدة قريباً اتفاقاً نووياً مع إيران، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى تخفيف العقوبات الاقتصادية وهذا سيسمح لإيران بتعزيز جيشها المستضعف في سوريا. إن أي حديث عن حل سياسي لا يعترف بتلك الحقيقة سيكون مصيره الفشل، تماماً كما أن اي حديث لا يعترف بالمخاوف الإقليمية حول سيطرة إيران سيكون مصيره الفشل.
يمكن أن تتخلى إيران عن مناطق في سوريا خارج الممر الحيوي، إلا أنه لا توجد خطة ج بديلة. فإن لم يُشمٓل الشعب السوري وداعميه الإقليميين في أي اتفاق، وإن لم يحصلوا على ضمانات، فلن يجدي أي حل وسيستمر الثوار بالقتال بأي أسلحة يمكنهم الحصول عليها حتى إشعار آخر. وما لم تُجبِر الولايات المتحدة إيران بالوصول إلى تسوية تلك المخاوف المحلية والإقليمية فستتابع إيران تنفيذ الخطة ب، وستستمر المعارضة بمحاربتها، وستتخبط سوريا في مزيد من الفوضى مما يجر المنطقة إلى مزيد من الحروب وعدم الاستقرار.
حنين غدار زميلة غير مقيمة لدى مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط التابع للمجلس الأطلنطي، ومديرة تحرير NOW. يمكن متابعتها على تويتر haningdr@.
Image: Lebanon's Hezbollah members carry the coffin of Hezbollah fighter Adnan Siblini, who was killed while fighting against insurgents in the Qalamoun region, during his funeral in al-Ghaziyeh village, southern Lebanon May 26, 2015. (Reuters)