إنتخابات الرئاسه في مصر: العامل الروسي

إنتخابات الرئاسه في مصر: العامل الروسي

 

وعلى عكس الإشارة الخليجية التي تبدو مترددة ًحتى اللحظة بشأن ترشح المشير السيسي ؛ فإن إشارة الترحيب القادمة من روسيا بدت أوضح من اللازم ؛ وتجلى هذا الترحيب في زيارة السيسي الأخيرة إلى موسكو والتي قابله فيها الرئيس الروسي بوتين بنفسه مخالفا ً للقواعد البروتكولية المعروفة ……….. إلى الدرجة التي تدفع لقبول احتمالية تدعيم الروس لترشح السيسي فعليا ًسواء ٌمن خلال تعضيده دوليا ًأمام فتور ٍأمريكي ٍوأوروبي ٍمحتمل في بداية ولايته ؛ أو الأكثر من ذلك بالدعم الاقتصادي و العسكري .

السيسي يحتاج إلى نقلة اقتصادية نوعية هائلة في بداية عهده ؛ أي يحتاج عمليا ًإلى من يسانده في تحقيق طفرة ٍسريعة تلمسها الطبقات الدنيا من الشعب في بداية ولايته ضمانا ًلاستمرارها حتى نهاية الأربع سنوات دون مواجهة أيام ٍصعبة .

والحل الوحيد أمامه يتمثل في تدشين عدة مشروعات ٍقوميةٍ عملاقة ؛ صحيح ٌأن مردودها لن يكون متاحا ًفي المدى القريب ؛ لكنها ستجتذب عمالة ًكثيفة – أو هكذا ينبغي أن تكون – مما سيحدث طفرةً ًنوعية ًبسوق العمل وسيسهم بشكل سريع في علاج قضية البطالة المتضخمة على المدى القريب .

وموسكو هنا مرشحة لتكرار دورها في دعم مشروع ٍأو أكثر من هذا النوع على غرار دعمها في حقبة الستينات لمشروع بناء السد العالي ؛ وقد يكون على رأس ما يمكن أن تقدمه روسيا في هذا الصدد المساعدة الفنية والمالية لتنفيذ مشروعين أساسيين ؛ محطة ٍنووية تسهم في حل مشكلة الطاقة في مصر ؛ و مشروع محور قناة السويس المشتمل على انشاء منطقة تجارة حرة عالمية .

أما الملف العسكري فرغم ما تشير إليه التقارير الإخبارية من تفاوض ٍبين الجانبين وصل إلى مرحلته النهائية بشأن منظومات ٍدفاعية متطورة ؛ بخلاف الاتفاق على توريد طائرات الميج ٢٩ للمرة الأولى في تاريخ العلاقة بين البلدين ؛ فإن الوقت مبكر ٌجدا ًللحديث عن تبدل ٍاستراتيجي في سياسة التسليح سيتبناها الجيش المصري من الآن فصاعدا ًوترتبط بترشح السيسي ارتباطا ًمباشرا ً.

بل الأرجح أن المؤسسة العسكرية المصرية أعمق نظرا ًبكثير من التحول المفاجئ من الاعتماد على منظومات التسليح الغربية وعلى رأسها الأمريكية إلى نظيرتها الروسية فجأة ًوبلا مقدمات ؛ إنما الحقيقة أنها بتلك الصفقات ستحقق أهدافا ًعدة على صعيد المستقبل القريب والبعيد .

على المستقبل القريب هو نوع ٌمن التكتيك الضاغط على الولايات المتحدة لتعدل مواقفها سريعا ًليس فقط من النظام المصري المؤقت والقادم وإنما من المنطقة العربية بأسرها ؛ فلإن كانت المملكة السعودية الحليف الاستراتيجي لمصر وللولايات المتحدة في آن ٍواحد يصعب عليها استخدام النقلة التكتيكية نفسها لعوامل عدة ؛ فإن مصر بالفعل قد خطت خطوتها الكبيرة في سياق موازنة القوى بين الغريمين التقليديين مما قد يفتح الباب أمام خطوات ٍأكبر توسع من رقعة النفوذ الروسي نظريا ًإن لم يتدارك الأمريكيون الموقف ويلتقطوا الإشارة بالسرعة الكافية .

وعلى المستقبل البعيد فالفرصة كانت ذهبية ًأمام الجيش المصري لتحقيق طفرة ٍتسليحية نوعية يعوض بها الحظر الأمريكي على بيعه طائرات الإف ١٥ التي يُميز بها إسرائيل وحدها ليضمن استمرار اختلال التوازن لصالحها ؛ومعلوم ٌأن طائرات الميج ٢٩ تضاهي نظيرتها إف ١٥ ؛ بل الأكثر أنه بذلك عمد إلى رد الصاع صاعين إلى الإدارة الأمريكية التي قررت أيضا ًحرمانه من صفقة طائرات الاف ١٦ عقب حركة الثالث من يوليو .

موسكو بوتين ليست موسكو خروتشوف ؛ ولا المشير السيسي يماثل عبد الناصر عمليا ًفي شيئ اللهم إلا البطولة الشعبية التي يتمتع بها إلى اللحظة ؛ لذا فالحديث عن الدعم الروسي في مقابل نفوذ ٍروسي ٍمتصاعد إنما هو أمر ٌيخضع لحسابات ٍجديدة تختلف جذريا ًعن حسابات الستينات ؛ والقواسم المشتركة بين الجانبين ليست كثيرة إلى الحد الذي ينبأ عن تحالف استراتيجي ؛ لاسيما مع معضلة استمرار الدور الروسي في سوريا الداعم لبشار ومن ورائه إيران ماديا ًومعنويا ً ؛ في مواجهة جبهة حتمية تضم مصر ودول الخليج ؛ خصوصا ً مع فشل مؤتمر جنيف وتوقع طول فترة القتال القادم وشراسته .

وصعب ٌجدا ًأن يكون القاسم المشترك متلخصا ًفي العداء لجماعة الإخوان المسلمين ؛ إذن فكل ما هنالك أن السيسي يحتاج الدعم الروسي ليقف على أرضية ٍتفاوضية ٍصلبة قبل عودة ٍمتوقعة لعلاقات طبيعية مع الولايات المتحدة وحلفائها لكن بشروط ٍومحددات جديدة ؛ وروسيا ترحب بفرصة ٍاستراتيجية لتعزيز موقعها في الشرق الأوسط وخاصة ًمع دولة محورية مثل مصر لتعويض اربعين عاما ًمن الغياب منذ قرر الرئيس الراحل السادات انهاء عمل الخبراء السوڤييت بالقاهرة .

Image: Photo: Egypt Armed Forces