الطيار الأردني والحرب على الدولة الإسلامية في العراق والشام

تقى نصيرات

رافقت الأنباء حول تنفيذ إعدام الطيار الأردني معاذ الكساسبة الصور المذهلة التي بثها مختطفوه من الدولة الإسلامية في العراق والشام (الدولة الإسلامية) وهم يحرقوه حيّا. ولا شك أن الدولة الإسلامية وقّتت بث هذه الأخبار لتنزل بأكبر ضرر على الحكومة الأردنية ولإعادة موضوع طلبها الأساسي – بأن تنسحب الأردن من التحالف- الى حيز الوجود.

وفي الساعة العاشرة و٥٣ دقيقة من صباح اليوم، تحدث وزير الخارجية الأمريكي جون كيري مع وزير الخارجية الأردني ناصر جودة خلال مؤتمر صحفي، وأثنى على الشراكة الأمريكية- الأردنية الإستراتيجية وأعلن في مذكرة عن زيادة المساعدات للدولة التي تستعد للمعركة. وغاية الولايات المتحدة برفع المساعدات من ٦٦٠ مليون دولار إلى مليار دولار هي تعويض نفقات إستضافة أكثر من ثمانمئة ألف لاجئ سوري، ولدعم جهود الدولة في مكافحة الإرهاب. وخلال بضعة دقائق من ابتداء المؤتمر الصحفي قال الوزير كيري “على الشعب الأردني أن يعلم أن جميع الأمريكيين سينضمون إليه في الدعاء بعودة مبكرة وسالمة للملازم أول معاذ الكساسبة. ونحن نناشد مختطفيه الإفراج عن هذا الرجل المقدام كي يعود إلى عائلته ووطنه، وأن يقدموا على الأقل دليلا على وجوده على قيد الحياة، والتي كان الأردن قد طلبها.”

ولا يمكن أن يكون ذكر الطيار الأردني أكثر نذيرا للشر، فبعد مضي ثلاثين دقيقة تفجرت صفحات التواصل الإجتماعي تويتر بصور الطيار بالبدلة البرتقالية المعروفة داخل قفص، وهو يُحرق حيّا. وكان من المفروض أن تكون ردة الفعل الفورية وضع صور وزير الخارجية جودة والوزير كيري وهما يتصافحان ويوقعان المذكرة، جنبا الى جنب مع صور الطيار الأردني دقائق قبل تنفيذ حكم الإعدام المزعوم الا أن تنفيذ الحكم الذي تم التخطيط له بعناية لم يكن بالإمكان أن يتم بسرعة، ناهيك عن مونتاج الفيديو على طريقة أفلام هوليود والذي يصور موته.  ومع سفر الملك عبد الله الى الولايات المتحدة والذي أُعلن عنه قبل يوم واحد فقط، كان بإمكان الدولة الإسلامية وشبكتها من أعضاء أذكياء متقدمين تقنيا أن تحضر الفيديو تحسبا للحظة مناسبة كتلك للفت أنظار العالم.

وعلى مدى الأسابيع الماضية منذ أن حاولت الدولة الإسلامية مبادلة ساجدة الريشاوي العراقية التي أسرها الأردنيون مقابل تسليمهم الصحفي الياباني، بقي اهتمام الشعب الأردني مركزا على أي خبر أو أمل بالإفراج عن الكساسبة. ونشرت محطات الأخبار صورا لأفراد عائلته الذين اجتمعوا في داره، ومقابلات مع أمه التي ترجو “اخوتها” من الدولة الإسلامية أن يعاملوا ابنها برحمة وأن يفرجوا عنه. كان بكاؤها بمثابة تذكير مستمر للثمن الباهظ الذي دفعه البلد باشتراكه مع التحالف الدولي لمحاربة الدولة الإسلامية. ولدى تلقي عائلته وأهل بلده نبأ تنفيذ حكم الإعدام بثت محطة الجزيرة مقابلات مع أردنيين خارج المكان الذي اجتمعت فيه عائلته وهم يحمٍلون الحكومة الأردنية المسؤولية الاولى لمصير الكساسبة. وصرح نائب برلمان سابق:

اليوم هو اليوم الثالث وأربعون (منذ أسر الطيار) ، لقد قُتِل بدم بارد على أيدي التحالف الدولي [….] إن النظام الأردني ورئيس النظام الأردني وقوات التحالف الدولي هم المسؤولون عن تنفيذ حكم إعدام الطيار الأردني. وكل ما كان [التحلاف] يبغيه هو جر الأردن إلى حرب أرضية [….] لم يكن على الأردن أن يكون جزءا من هذا التحالف.”

قامت مظاهرات غضب في عمان وكرك، مسقط رأس الطيار، نتج عنها حرق مكتاب محلية حكومية. 

لم يختصرالملك عبد الله اجتماعه مع أعضاء مجلس الشيوخ المخطط له، كما توقع البعض، واختار البقاء في واشنطن ولقاء الرئيس باراك اوباما في اجتماع طارئ هذا المساء. رافقت أنباء استشهاد الطيار التي أعلنها التلفزيون الأردني الرسمي مفاجاة جديدة وهي أن حكم الإعدام قد نُفِّذ قبل شهر، في ٣ كانون الثاني/يناير. بين اجتماع وآخر في الكونغرس، ظهر الملك عبد الله على شاشة التلفزيون الرسمي مخاطبا الأردنيين، بالرغم من وجود بعض الدلائل بأن التصريح كان قد سُجِّل قبل سفره إلى الولايات المتحدة، ملمحة بأنه إما كان على علم بتنفيذ الحكم أو أنه استبق نشر الأخبار.

وكان الأردنيون قد أنشؤوا على صفحات التواصل الاجتماعي سمات “كلنا معاذ” تضامنا مع طيارهم المختطَف منذ عدة أسابيع، إلا أن سمات أخرى كانت تنذر بالسوء بشكل أكبر: إحداها “هذه ليست حربنا”. فالأردنيون الذين غلب عليهم الغضب لفقدان واحد منهم على يد الدولة الإسلامية ألقوا اللوم على السلطات الأردنية لعدم القيام بالمزيد لتحرير الكساسبة قبل شهر، معربين أن القضية لم تلقَ اهتماما إلى حين عرضت الدولة الإسلامية تبادل الأسرى اليابانيين. وزادت أخبار إعدام الكساسبة قبل شهر من غضب الشعب من محاولة المخابرات الأردنية تأجيل الغضب العام. وظهرت سمة أخرى بعد فترة وجيزة تقول: ” كلنا مشروع استشهاد” مشيرين إلى أن المسؤولين الأردنيين، وفي محاولة لتهدئة غضب الشعب إزاء اختطاف الكساسبة صرحوا أننا “كلنا شهداء الأردن”. استخدمت كلتا الجهتين، مساندين للحكومة الأردنية ومن ينتقصون قدرها السمة، وتحدى الأولون أي ناقد للنظام، ونادوا أنه على البلد أن يلتحم أمام إرهاب كهذا.

أن هشاشة الأردن وهي أرض محصورة بين حروب في العراق وسوريا والأراضي المحتلة، والتي تعاني من دفق اللاجئين المستمر- كانت دائماً تُقلِق الولايات المتحدة التي كانت تسعى إلى دعم ما تعتبره نظاما ثابتا معتدلا- ضمن بحر من عدم الإستقرار. وفي حين تعطي معظم تلك التحديات الخارجية سببا كي يسعى الملك للحصول على مساعدات مادية ودعم من المجتمع الدولي، إلا أنها لا تساعد في تخفيف النقد الداخلي.

واجهت الأردن بعد الربيع العربي أقوى احتجاجات شعبية منذ عشرات السنين، البعض منها كان ينادي بشكل لم يسبق له مثيل بتخلي الملك عن العرش على ضوء التدهور الإقتصادي. وبالرغم من نجاة الحكومة من تلك العاصفة، إلا أن امتداد الدولة الإسلامية فقط إلى شمال الحدود ومشاكل السلفيين في الجنوب يقضي بأن يجد الملك عبد الله طرقا جديدة لتخفيف غليان الإستياء من اشتراك البلد في النضال ضد الدولة الإسلامية. إن دعوة الشعب الغامضة، والمبادرة الوطنية كي يدعم الشعب الجيش، والحاجة إلى جبهة متحدة، لن تهدِئ الشارع الأردني الغاضب أصلا. يحتاج الأردنيون العاديون أن يروا حكومتهم تعطي الأولوية لاحتياجات المواطنين قبل لعبة شطرنج جيوسياسية.

تقى نصيرات، مساعد مدير برامج في مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط التابع للمجلس الأطلنتي.

Image: Students hold pictures of Islamic State captive Jordanian pilot Muath al-Kasaesbeh during a rally calling for his release, at Jordan University in Amman February 3, 2015. The fate of Kasaesbeh has raised public pressure on Jordan's King Abdullah over his country's role in the U.S.-led military campaign against the hardline group in Syria, fuelling the risk of broader discontent in the U.S. ally. The posters read: "We are all Muath". REUTERS/Muhammad Hamed