هذا الطريق آخره لَحنٌ حزين

فات وقت التراجع واحترقت الفرص لتفادي هذا الطريق، خطابات التحريض تتصاعد من كل اتجاه وتتحول من التحريض إلى خطابات حرب.. قنوات التليفزيون تضع شعار «مصر تحارب الإرهاب» بالإنجليزية دون أن يخبرنا أحد من وما هو الإرهاب الذي نحاربه، هل هم القاعدة؟ أنصار الشريعة؟ جبهة النصرة؟ الإخوان؟ شوية من دا على شوية من دا؟
لا نعلم، والجندي ذو الواحد والعشرين عاماً لا يعلم، لكنه يطيع أوامر حامل السلاح الذي يوجهه لينزل من الأتوبيس ليتم إعدامه من الظهر، مثلما يقاد آخر إلى عربة نقل الأموات المعروفة باسم عربة الترحيلات ليختنق موتاً.
ولا أحد يتوقف لطرح الأسئلة أو يطالب بالمحاسبة. للحرب قوانينها، لكن الحرب الأهلية خارج تلك القوانين وأخلاقيات الجيوش المتصارعة. للحرب الأهلية أهدافها الواضحة وهي في الغالب التطهير العرقي وحصار فئة أو مجموعة، وهو الأمر الذي يفشل دائماً والدليل يمكنك أن تنظر حولك أو لكتب التاريخ أو تراجع أداء الدولة العسكرية المصرية منذ 23 يوليو 1952، لتتأكد بنفسك كيف أن السجن والقتل والحظر لا يفيد أبداً في القضاء على الإخوان أو محبي مشروع الاستبداد الديني.
لماذا إذن نكرر نفس الأخطاء التي ارتُكبت منذ ثلاثين عاماً حينما خرج عفريت الجماعات الإسلامية من القمقم في السبعينيات؟ ربما لأن التكرار يعلم الحمار.
نفس الفيلم المعاد الذي حدث في السبعينيات يجرى تنفيذه الآن، السلطة العسكرية في السبعينيات استخدمت الجماعات الإسلامية للتخلص من بقايا الناصرية وجماعات اليسار الثوري، وحينما تم الأمر أصبحت الجماعات الإسلامية خطراً على تلك السلطة، قررت أن تخوض الصراع معها بالحديد والنار. وعلى مدار عقود الثمانينيات والتسعينيات شاهدناً كيف حاربت الدولة بفشل منقطع النظير. نفس الفيلم يكرره المجلس العسكري والأجهزة الأمنية التي ترفض أي طريق آخر، وحينما يرتفع صوت معارض لهذا الطريق تكون النتيجة التخوين واتهامه بخيانة الأمانة.
لم تتبنَّ الدولة أي منهج مخالف لمشروع الاستبداد الديني، بل زايدت على أصحاب هذا المشروع وكانت دائماً سبّاقة ولا أدل ذلك من المادة الثانية التي وضعها السادات في إطار هذه المزايدة، مثلما سيخرج دستور الدولة المدنية تحت رئاسة عدلي منصور بمواده الطائفية ومصادرها الكلية.
وفي الوقت ذاته، تركت الدولة مساحة لفصيل منهم للمشاركة في العملية السياسية ودخول الانتخابات والتقاسم مع السلطة. في الثمانينيات كان هذا الفصيل هو الإخوان، والآن يبدو أن العطا سيرسي على السلفيين ومن بعيد يمكننا أن نلمح د. ياسر برهامي جالساً فاتحاً الجلباب في انتظار وقت قطاف الثمار.
في الثمانينيات، انضم لمعركة الدولة قطاع كبير من المثقفين والكُتاب والفنانين، كان الشعار وقتها هو التنوير في مقاومة طيور الظلام، ولم يكن خيار التنوير المطروح وقتها إلا مجموعة من الأطروحات عن تجديد الخطاب الديني وترك الدنيا لسلطة عميقة الفساد، ليس لديها موقف ولا رسالة. والآن يرفع البعض شعارات من نوعية محاربة الفاشية الدينية أو القبول ببطش وعنف السلطة، لأن ذلك هو السبيل الوحيد للقضاء على العنف الديني، لكن في المشرحة يتم تجريد الجثث من ملابسها ويصعب التمييز بين المجندين وما يقال عنهم «إرهابيون» وعابرو السبيل وقت الاشتباكات. والأهم أن الطريق الذي تسير فيه السلطة الحالية لم يحمل حتى الآن أي إشارات أننا نتجه فوق بحر الدماء هذا إلى دولة مدنية يتحقق فيها مبدأ المواطنة والمساواة. فاللجنة التي تعمل على تعديل الدستور قررت الحفاظ على المواد الطائفية التي تتدخل في حرية اعتقاد المواطنين، بل وزادت على ذلك باقتراحات البعض بتحصين منصب رئيس الجمهورية من المظاهرات، كأن مادة في الدستور قد تحمي الرئيس أو أي سلطة من الغضب الشعبي.
محاربة الإرهاب أو جماعات الاستبداد الديني، ليست معركة ننتصر فيها بتحرير قطعة أرض أو بقتل واعتقال أكبر عدد ممكن. هي بالأساس معركة أفكار ونمط وأسلوب حياة، اختارت الطبقة الوسطى المصرية أن تدافع عنه في 30 يونيو، والقبول بعنف السلطة وتجاوزاتها غير القانونية و«الهرتلة» التي تحدث الآن في مسألة الدستور، يعني الهزيمة الكاملة في معركة «الإرهاب» حتى لو تم اعتقال المرشد وكل مكاتب الإرشاد.

Image: Photo: Scott D. Haddow