استجابة اقتصادية للشلل السياسي في اليمن

استجابة اقتصادية للشلل السياسي في اليمن

كتب بواسطة:

في الوقت الذي يتجه فيه الحوار الوطني الى الانتهاء، فإن أصحاب المصلحة في اليمن والمجتمع الدولي في حاجة الى توجيه مزيد من الاهتمام الى المجال الاقتصادي اذا أرادوا نجاح عملية الانتقال السياسي، حيث يشير التقرير الجديد الذي نشره مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط في المجلس الاطلنطي في العاصمة الامريكية واشنطن في الرابع من ديسمبر تحت عنوان “أجندة اليمن ا

لاقتصادية: ما وراء البقاء على المدى القصير” الى انه بدون تحسين مستوى المعيشة وخلق المزيد من الانشطة الاقتصادية وتلبية الاحتياجات الاساسية اللازمة للحياة، فإن الرئيس عبد ربه منصور والحكومة اليمنية يخاطرا بضياع الجزء المتبقي من المصداقية أمام الشعب، وضياع المكاسب البسيطة التي تحققت حتى الآن.

يترنح الحوار الوطني في اليمن ما بين التقدم والتراجع، وهو ما يزال بعيداً عن الوصول للكيفية التي ستتحرك بها عملية الانتقال في مرحلتها المقبلة، فالحوار الوطني – الذي أسست له دول مجلس التعاون الخليجي باتفاق أدى الى تنحي الرئيس السابق علي عبد الله صالح من السلطة في عام ٢٠١١ – كان من المفترض ان يستمر لستة أشهر، يمكن خلالها حل مشاكل البلد الأكثر صعوبة، من خلال تمثيل واسع للأحزاب والشباب والمجتمع المدني، ولكن بعد من مرور أكثر من ثمانية أشهر منذ بدء عملية الحوار ما تزال المشاكل الرئيسية المتعلقة بالجنوب وشكل الدولة عالقة وبدون اي أمل في الحل على المدى المنظور، لذلك ليس من المستغرب انه في الأسابيع الاخيرة ان يحاول الفاسدون المحتملون – الذين يسعون للحفاظ على سلطتهم – تقويض احتمالية نجاح الحوار الوطني او احتمالية أي تغير محتمل في التوازن الهش الذي تحقق حتى الآن.

ان تأخير إنهاء الحوار الوطني يمثل خطورة لعدة أسباب، فكلما طال الحوار الوطني زادت احتمالية حدوث عنف ونجاح القوى التقليدية في تثبيت نجاحها، وهذا ينطبق على أفراد عائلة صالح وحلفاءهم، والقيادات القبلية والدينية المرتبطة بحركة الإصلاح، والقيادات العسكرية المستفيدة من اشتعال الصراع، وقادة الجنوب المصريّن على الانفصال، فالجميع لديه مصلحة في استمرار حالة عدم الاستقرار، ووجود منظومة المحسوبية التي يستفيد منها شبكة النخب من كل الأطياف، اما السبب الأكثر أهمية هو ان المفاوضات التي لا نهاية لها بين الممسكين بالقوة ولجان الحوار الوطني تعني ان القادة اليمنيين سوف يستمروا في التركيز على مصالحهم السياسية الضيقة، وترك الاحتياجات الاساسية للمواطنين اليمنيين مثل الطعام والأمن والتوظيف والخدمات.

الفكرة الاساسية لاتفاقية دول التعاون الخليجي هي تشكيل حكومة انتقالية وإجراء الحوار الوطني وكتابة الدستور انتهاءً باستفتاء دستوري وانتخابات عامة، وقد كان هذا التسلسل منطقي وقت صياغة الاتفاقية، الا ان التأخر في الحوار الوطني يجعل كل خطوة تالية رهينة لهذا التأخير، فعلى الرغم من ان استمرار بقاء الدولة ليس متعلق بدستور جديد او بالبرلمان، الا انه مرتبط بوجود حكومة كفئة ومسئولة، وللأسف هذا ما هو مفقود الآن، فهيكل الحكومة الانتقالية الذي يتشكل مناصفة بين المؤتمر الشعبي العام‎ وتكتل أحزاب اللقاء المشترك يعني اختيار الوزراء على أساس الولاء الحزبي وليس الكفاءة، وفي الوقت التي سمحت فيه هذه الحكومة بوجود توازن سياسي وسيادة شعور بالمساواة بين الفرقاء السياسيين، الا انها أعاقت تطوير رؤية مشتركة يمكن للحكومة السعي لتحقيقها، وساهمت في إظهار الحكومة على انها ضعيفة نسبيا، مهمتها فقط هو تنفيذ ما أملته اتفاقية مجلس التعاون الخليجي، وقد ظهر عامل نقص القيادة بصورة جلية في المجال الاقتصادي.

فالأمر الأكثر إلحاحا الآن من أي شيء اخر هو تشكيل حكومة انتقالية جديدة تستطيع قيادة البلاد للإمام، وصندوق النقد الدولي على استعداد للعمل مع الحكومة اليمنية على أساس ترتيبات على المدى المتوسط، من اجل توفير التمويل اللازم في سياق أجندة للإصلاح الاقتصادي، ولكنه في حاجة الى شريك على الجانب الاخر، ان تشكيل مجلس اقتصادي يمثل الحل للتغلب على نقص القيادة والتماسك، على ان يتشكل هذا المجلس من وزراء ونواب الوزراء من الوزارات ذات الصلة، بالإضافة الى خمس او ست اقتصاديين او محللي سياسة من خارج الحكومة، من اجل تقديم المشورة والنصح فيما يتعلق بالاقتصاد، ومن اجل تخفيف حدة صراع القوة الداخلي، فان رئيس المجلس يمكن ان يتم انتخابه من بين الخبراء من خارج الحكومة، وان يتم تمكينه من وضع جدول الاعمال والدعوة للاجتماعات، ان تشكيل هذا المجلس الاقتصادي بعيداً عن الوزراء المنتمين للقوى السياسية، سوف يٌمكّن من تقديم المشورة والنصح المطلوبين – بعيدا عن الانتماءات الحزبية – للرئيس حول السياسية الاقتصادية، ومن الممكن أن يوفر غطاءً سياسيا للقرارات الاقتصادية الصعبة.

ان النقاش الدائر الآن داخل الحوار الوطني حول الفيدرالية واللامركزية يمكن ان يقدم اقترابا اقتصاديا جديداً على المستوى الإقليمي، والذي قد يسمح بوضع ترتيبات خاصة بتوزيع الموارد الطبيعية وعوائد الضرائب في النظام الفيدرالي، وبالرغم من ذلك فإن المكونات الاساسية لكيفية تحول الاقتصاد اليمني – خاصة تلك المتعلقة بالتنويع وإعادة التوازن المالي وإصلاح الدعم والنمو الموجه نحو العمالة – سوف تظل ثابته بصرف النظر عن نتائج الحوار الوطني، وبافتراض ان تظل الحكومة المركزية محتفظة ببعض وظائف التخطيط الاقتصادي، فان اليمن لا يستطيع احتمال الانتظار حتى ينتهي النقاش حول النظام الفيدرالي، من اجل البدء في بناء توافق حول هذه الموضوعات، فحتى تستطيع الحكومة اليمنية اعادة بناء الاقتصاد واعادة هيكلة الدولة بكفاءة، فإن شبكات المصالح والمحسوبية القوية في حاجة للمواجهة، وفي هذه الحالة فإن حسن النوايا ليس كافيا وإنما المطلوب إرادة سياسية، هذا الضغط يمكن ان يأتي من الفاعلين الداخليين والخارجيين، وعلى الرغم من ان الحوار الوطني يستهلك الكثير من الطاقة، فان المجتمع الدولي يمكن ان يلعب دوراً هاما لتعبئة الاهتمام والزخم نحو مزيد من التركيز على الشئون الاقتصادية.

*دانيا غرينفيلد، القائم بأعمال مدير مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط في المجلس الأطلسي.