لماذا سقط، سياسياً، الإخوان المسلمين؟ الجزء الثاني

لماذا سقط، سياسياً، الإخوان المسلمين؟ الجزء الثاني

 

وصلت جماعة الإخوان المسلمين إلى رأس السلطة في مصر في الثلاثين من يونيو من العام 2012 و ذلك عن طريق مرشحها محمد مرسي، غير أن السلطة لم تدم في يد الجماعة طويلا، حسبما حدث في الثالث من يوليو 2013. و بغض النظر عن طريقة و صول محمد مرسي للسلطة كمرشح للإخوان المسلمين، و بقطع النظر أيضا عن ما حدث في الثلاثين من يونيو و ما تلاه، فإن النظر إلى “عام من حكم الجماعة” يوحي بالكثير من الدروس التي لابد للتوقف معها بالدراسة لأعوام طويلة قادمة. لم يكن خروج الإخوان المسلمين من السلطة ــ ممثلة في رئاسة الجمهورية ــ محض مصادفة أو جاء كحركة انقلابية عسكرية مفاجئة، و لكن كان هذا السقوط تعبيرا عن الفشل الكامل في إدارة أهم ملفين كانا يواجهان محمد مرسي لدى وصوله إلى قصر الرئاسة؛ و هما “إدارة الدولة” و “إدارة الصراع”.
اعتقد الكثير من المصريين، في الفترة المعاصرة للانتخابات الرئاسية المصرية و ما قبلها من سنوات، أن الإخوان المسلمين لديهم من المؤهلات و الكفاءات البشرية ما يمكنهم من إحداث تنمية حقيقية و تغيير شامل في الواقع المصري من خلال “إدارة راشدة للدولة”. كان هذا الاعتقاد مبررا من ناحية أن جماعة الإخوان لها عهد طويل من العمل السياسي يزيد على ثمانية عقود. إلا أن واقع الحال و التجربة أثبتا، منذ البدء، أن جماعة الإخوان لا قدرة لديها، و لا خبرة عندها تمكنها من إدارة الدولة المصرية. و قد انطبق ذلك على محمد مرسي لدى رئاسته للدولة فظهر إخفاق واسع في التصدي لمشكلات مصر المتراكمة. لعل تفسيرا لما تقدم أن جماعة الإخوان المسلمين استنفذت الجزء الأكبر من تاريخها في التعامل مع المضايقات العديدة التي كانت تتعرض لها من قبل أجهزة الدولة المصرية على امتداد العقود الستة الماضية. أما الممارسة السياسية فلم تكن تزيد على القدرة على تنظيم المؤيدين للجماعة في الانتخابات البرلمانية و النقابية لأجل حصد المقاعد و من ثم تقديم “الخدمات” لجماهير الناخبين.

لم يتوقف الحديث، منذ اندلاع الثورات العربية مطلع العام 2011، عن النموذج التركي بحسبانه نموذجا يمكن أن يقدم تجربة عملية ناجحة للأنظمة السياسية الجديدة و الصاعدة في العالم العربي. و على الرغم من التقارب المعروف بين حكومة العدالة و التنمية في تركيا و جماعة الإخوان المسلمين في مصر، إلا أن الأخيرة لم تفقه أو تتعلم الدروس المهمة التي تدلنا عليها التجربة التركية. فقد حقق حزب العدالة و التنمية الحاكم في تركيا انتصارات انتخابية حقيقية، منذ العام 2002، كما حقق نجاحات اقتصادية و تنموية ملحوظة. كان الأساس لنجاح تجربة العدالة و التنمية هذه هو ارتكازها إلى التدرج و تراكم الخبرات الإدارية. فالمعلوم أن رجب طيب إردوغان، زعيم العدالة و التنمية، كان عمدة لمدينة اسطنبول ــ في الفترة من 1994 إلى 1998 ــ و قد نجح في أن يحقق طفرة تنموية هائلة لدى إدارته للمدينة الكبيرة و استطاع خلال هذه السنوات أن يراكم خبرات سياسية و إدارية ــ من الواقع المحلي التركي ــ مكنته، و حزب العدالة و التنمية، من تشكيل الحكومة التركية عقب ثلاث انتخابات نيابية منذ العام 2002. يدلنا عام من حكم جماعة الإخوان المسلمين في مصر، بعكس التجربة التركية، على أنه ليس فقط افتقدت الجماعة لمشروع سياسي واضح قابل للتطبيق، بل أيضا افتقاد الخبرة الإدارية اللازمة، من عمق الواقع المصري، لتطبيق أي فكر تحمله الجماعة أصلا، و هذا هو درس التجربة التركية الكبير.

درس تركي آخر لم تدركه جماعة الإخوان المسلمين لدى حكمهم لمصر. ذاك هو ضرورة تأمين “دعم شعبي واسع” قبل الإقدام على خطوات سياسية كبيرة لاسيما إن كانت ضد مؤسسات لها وزنها في الدولة كالجيش أو القضاء. و الدعم الشعبي المطلوب لا يأتي بالخطب السياسية فحسب، و إنما بتحقيق إنجاز اقتصادي يرفع من مستوى معيشة “المواطن العادي غير المسيس”. في هذا الإطار، لم تقدم حكومة حزب العدالة و التنمية في تركيا على مواجهة المؤسسة العسكرية أو المحكمة الدستوريةخير هو عماد، و هما من يحميان النظام العلماني الصارم في الدولة التركية منذ عقود، لم يقدم إردوغان على مواجهة هاتين المؤسستين إلا بعد سنوات في الحكم استطاع خلالها تحقيق طفرة اقتصادية لمسها كل مواطن تركي. حين تحققت هذه الطفرة الاقتصادية وتأكد إردوغان من وجود ظهير شعبي حقيقي يسانده، استدار لمواجهة الجيش التركي و المحكمة الدستورية اللذين طالما قاما بانقلابات عسكرية و تدخلا لإسقاط حكومات منتخبة كان آخرها حكومة نجم الدين أربكان زعيم حزب الرفاه في العام 1997. تمت المواجهة عن طريق قيام حزب العدالة و التنمية، في العام 2010، بإجراء تعديلات دستورية و تشريعية تضمن “خلخلة” المؤسسة العسكرية و المحكمة الدستورية و إخراجهما من حلبة الصراع السياسي.

على العكس مما تقدم جميعه، اختار الدكتور محمد مرسي، و جماعة الإخوان من خلفه، المواجهة المباشرة مع سائر مؤسسات الدولة، لاسيما القضاء و الجيش، بمجرد وصوله للسلطة. و الأمثلة على هذه المواجهة متعددة و متوالية منذ انتخاب محمد مرسي و حتى إسقاطه. فمن قرار بإعادة مجلس الشعب للعمل تحديا لحكم المحكمة الدستورية العليا، و مرورا بجولات الصراع على منصب النائب العام، و ليس انتهاء بعلاقة، تأكد الآن، أنها كانت متوترة و غير صحية مع قيادات الجيش المصري. أخطأ الدكتور مرسي، و جماعة الإخوان في القيام بمثل هذه الخطوات الكبرى من دون تأمين “دعم شعبي واسع” لحكمه و نظامه. خلق هذا الدعم الشعبي كان يحتاج لعمل تنموي دؤوب يستمر لسنوات، عملا يضمن إخراج قطاع واسع من الشعب المصري (المواطن العادي غير المسيس) من حالة الفقر و تراجع مستوى المعيشة التي يحياها، و ذلك بعيدا عن “دعم المؤيدين” الذين لا يرون في الجماعة أي سوء، و بعيدا عن “رفض المعارضين” الذين لا يرون في الجماعة أي خير.

بإخفاق محمد مرسي في إدارة الدولة، انقلب عليه قطاع واسع من الشعب المصري، و بإخفاقه في إدارة الصراع، أجهزت عليه مؤسسات الدولة المصرية جميعها، فكان هذا السقوط المدوي للإخوان المسلمين الذي لم يتأخر كثيرا منذ وصولهم للحكم.

Image: Photo: Jonathan Rashad